بسم الله الرحمن الرحيم
أخص طلابنا الأعزاء وطالباتنا العزيزات بهذه الخطبة الثانية على خلاف ما ألفه رواد المساجد، ومستمعو الخطابات الدينية من موضوعات، فالإسلام هو الحياة، وأبناؤنا أهم ما في حياتنا لأنهم خير كسبنا، وشبابنا وشاباتنا ... وهم أمل أمتنا ومستقبلها ... تفوقهم في التحصيل العلمي، وانضباطهم في الجانب السلوكي، أحد أسباب انتصارنا أمام التحديات التي نواجهها .
إليكم ـ أيها الطلاب الأعزاء ـ بعض الحقائق العلمية في تحصيل المعرفة والمتعلقة بالدراسة والامتحان:
الدراسة التي ينتظر أن تحقق النجاح للطالب لها قواعد وأصول، ومن هذه القواعد والأصول:
1. ثبت أن قراءة التصفح وأنت مستلق على مقعد مريح، أو على فراش وثير، أو على شرفة تمتع النظر بالغادي والرائح، أو في غرفة الجلوس مع أهلك وإخوتك الصغار مثل هذه القراءة، وبهذه الطريقة لا تثمر شيئاً، فأنت لا تذكر من الذي قرأته بعد حين أية معلومة اللهم إلا انطباعاً عاماً، لا يسمن ولا يغني من جوع، وهل تعتمد امتحاناتنا ـ وهي لا تزال تقليدية ـ إلا على ما في الذاكرة من معلومات، وإذا صح أن للجهد المبذول في فهم الكتاب المقرر، والقدرة على الإجابة عن أسئلة الامتحان يقاس بوحدات كما تقاس الحرارة بالدرجات، مثل هذه القراءة لا تحقق من وحدات الجهد المئة التي تحقق النجاح إلا خمسة بالمئة، وهي في قيمتها أرخص من الوقت الذي استغرقها .
2. أما حينما تجلس وراء طاولة بعيداً عن الضجيج، والمناظر والأحاديث التي تدعو إلى الشرود وتفتح الكتاب المقرر، وتقرأ بتأن وتعمق وتضع علامة بقلم شفاف تحت كل فكرة رئيسة، وخطاً بالرصاص تحت كل فكرة فرعية، ثم تلخص الفقرة على الهامش، وتضع خطاً باللون الأحمر تحت كل كلمة تحب أن تضيفها إلى قاموسك اللغوي، وخطاً باللون الأحمر أيضاً تحت أية عبارة تحب أن تغني بها أساليبك التعبيرية، ثم تضع إشارة بلون ثالث عند كل فكرة غامضة لتسأل عنها أستاذك، أو صديقك المتفوق في تلك المادة، وبعدها ترسم مخططاً للبحث الذي قرأته، وتملأه بالأفكار الرئيسة، ثم تسمعه لمن حولك، أو تحاول أن تراجعه من ذاكرتك أو أن تكتبه على دفترك، هذه القراءة بهذه الطريقة تساوي من الجهد المطلوب تسعين بالمئة، ولا يبقى أمامك إلا مراجعة سريعة، وتحقق النجاح .
3. هناك مشكلة كبيرة يعاني منها الطلاب ؛ وهي أنهم يستمعون إلى الدروس كثيراً ويقرؤون كثيراً أما إذا جلسوا في قاعة الامتحان يتعثرون في الكتابة ؛ ذلك لأن في الإنسان ذاكرة تعرفية يغذيها جهد الأخذ كالقراءة والاستماع، وفي الإنسان ذاكرة أخرى استرجاعية يغذيها جهد العطاء كإلقاء الدروس، وكتابة البحوث، والذاكرة التعرفية لا تفيد الطالب في الامتحان، لأنها لا تسعفه بالمعلومات، فلتوضيح ذلك: حينما تقرأ كلمة " علاقات وشيجة " مثلاً تعرف أنها تعني علاقات متينة لأنها مخزنة في الذاكرة التعرفية، أي تعرفها إذا قرأتها، ولكنك لا تستطيع أن تستخدمها في الكتابة، أي لا تستطيع أن تسترجعها لأنها ليست في الذاكرة الاسترجاعية، فما لم تُلقِ المعلومات المخزنة في الذاكرة التعرفية، شفاهاً على صديق، أو قريب، أو ما لم تحاول كتابتَها فإن هذه الحقائق التي قرأتها، أو استمعت إليها لا تستطيع أن تذكرها في الامتحان إلا إذا نقلتها من الذاكرة التعرفية إلى الذاكرة الاسترجاعية عن طريق التسميع والكتابة، وتلخص هذه القاعدة بالتعلم الرباعي: استمع واقرأ، وسمع واكتب، وهناك قاعدة التعلم الخماسي وهو: تصفح، تساءل، اقرأ، سمّع، راجع .
4. هناك مشكلة كبيرة تزعج الطلاب، وهي أنهم يعانون من الملل والسأم والضجر من دراسة كتاب واحد لزمن طويل، وهذا يجرهم إلى تضييع الوقت بشتى الحجج المفتعلة، ويصابون بالحزن ثم الكآبة، وهذا خطأ كبير في إعداد جدول المذاكرة، ولشرح هذه المشكلة أسوق لأبنائنا المثل التالي: أنت إذا وضعت في كفك كيلو غرام معدني، ورفعته إلى أعلى مرات ومرات، فبعد عدد من المرات وقد تصل إلى المئة تصاب عضلة اليد بالإعياء، وهو التوقف عن الحركة، لكن لو وضعت بعدها في يدك نصف كيلو... عندئذ تستطيع أن ترفعه مئة مرة أخرى بعد الإعياء، من هذا المثل نستنتج أنه بإمكان الطالب أن يتابع الدراسة من دون ملل أو سأم أو ضجر إذا صمم جدول الدراسة على أساس أن يقرأ فصلاً واحداً كل يوم من كل كتاب مقرر بحيث يرتب الكتب التي يقرؤها من حيث صعوبتها ترتيباً تنازلياً .
وبهذه الطريقة يستطيع الطالب أن يتابع الدراسة ساعات طويلة، من دون أن يشعر بالسأم.
والضجر،لأنه ينتقل كل ساعة من كتاب صعب إلى كتاب أقل صعوبة،وبهذا يتجدد نشاطه.
5. ثبت أن قوة أية إجابة في الامتحان، وتحقيقها شروط النجاح تعتمد على صحة المعلومات، وعلى وفائها بفقرات السؤال، وعلى تحليلها ترتيبها، ودعمها بالأدلة والشواهد، وهذا هو المضمون، و تعتمد على الأسلوب الذي يتألف من غزارة المفردات التي في مخزون الطالب، ومن حسن انتقائها، ومن متانة العبارات، ومن روعة صورها، وهذا هو الشكل، وسواء رُصدت في سلم الدرجات علامات للأسلوب أو لم ترصد، فإن المصحح يعطي علامة عالية لأي طالب قوي الأسلوب عن وعي أو عن غير وعي منه، على الرغم من وجود سلم دقيق، ولا سبيل إلى امتلاك قوة الأسلوب إلا بالقراءة الأسلوبية التي تعني أن تقرأ النصوص ذات الأسلوب القوي لا لتتبع الأفكار التي تنطوي عليه فحسب، بل لتقف على الكلمات الجديدة التي لا تستخدمها أنت في أسلوبك، أو لتقف على العبارات المتينة التي ينبغي أن تضيفها إلى أساليبك التعبيرية، مثال ذلك: أغلب الطلاب يستخدمون كلمه نظر لشتى حالات النظر، فيأتي أسلوبهم ضعيفاً ضبابياً، ولو قرؤوا الكتب ذات الأسلوب الأدبي قراءة أسلوبية لأغنوا مفرداتهم، ونوعوا أساليب تعبيرهم، إن هنالك مدلولاتٍ دقيقه لمرادفات كلمة نظر منها .. رأى: تحتمل الرؤية القلبية ؛ كأن تقول رأيت العلم نافعاً، شاهد: تضيف إلى النظر المسؤولية الجزائية، رنا: تفيد النظر مع سكون الطرف والمتعة، كأن تقول: رنوت إلى المنظر الجميل، حدّج: نظر إلى الشيء مع المحبة، وفي الحديث حدث القوم ما حدجوك بأبصارهم، رمق: نظر إلى الشيء من جانـب أذنـه . لمح: نظـر إلـى الشـيء ثم أعرض عنه، لاح: ظهر له شيء ثم خفــي عـلـيه . . توضح: نظر نظـرة المـتثــــبت . استشرف: نظر واضعاً يديه على حاجبيه، استشف: نظر مع التفحص باليد، حدق: فتح جميع عينيه لشـدة النــظر حتى اتسعت حدقة العين، حملق: نظر وظهر حملاق العين الأحمر و هو باطن الجفن، نظر شزراً: أعـاره لحــظ العــداوة، والازدراء . شخص: فتح عينيه وجعل لا يطــرف من الخوف فأنت أيها الطالب لا يمكن أن تمتلك أسلوباً غنياً إلا بغنى المفردات التي في ذاكرتك الاسترجاعية .
6. الأفضل تحديد فترات للدراسة، وأن تتخللها فترات للراحة، فهذا يحول دون الشعور بالإحباط، أو الإجهاد الذي قد يسببه التركيز لمدة طويلة .
7. خذ قسطاً من الراحة كافياً قبل وقت الامتحان، وهذا يعينك على التذكر والتركيز .
8. وتناول الطعام المناسب قبل أن تذهب إلى الامتحان ليعينك على المتابعة وبذل الجهد.
9. اقرأ الأسئلة بتمعن وتؤدة حتى تتيقن من المطلوب من السؤال، وابدأ بالأسئلة التي تعرفها جيداً، ثم بالأسئلة التي لست متمكناً منها، وبعدها أجب عن السؤال الذي لا تعرفه إجابة تخمينية، فهذا أفضل من عدم الإجابة، ولا تسلم الورقة قبل تنقيح الإجابة، ولا تخرج من قاعة الامتحان قبل انتهاء الوقت لئلا تندم .
10. أيها الطالب الحبيب ... درست في الفيزياء أنك إذا وضعت ورقة في محرق عدسة تحت أشعة الشمس فإنها تحترق، لكن الورقة هذه لا تحترق إذا وضعتها في أشعة الشمس من دون عدسة ! ما تفسير ذلك ؟ إن حزم أشعة الشمس التي انكسرت عبر العدسة تجمعت في محرقها فأحرقت الورقة، وكذلك الطالب المؤمن بربه، والمستقيم على أمره، والمتوكل عليه وينبغي أن تعلم أيها الطالب أنه ما من شيء أكرم على الله من شاب تائب، هذا الشاب الطاهر تتجمع قدراته ومهاراته واهتماماته وتتجه إلى بؤرة واحدة وهي الوسائل التي جعلها سلماً لهدفه الكبير، لذلك يتفوق تفوقاً كبيراً، ويحقق نجاحاً خطيراً، ليكون شيئاً مذكوراً في أمته، فشاب أو شابة من هذا النوع كألف، وألف من المتفلتين والشاردين عن الله كأف، لأن الله مع المؤمنين، وهذه المعية معية خاصة، فسرها العلماء بالتوفيق، والتأييد، والحفظ، والنصر، فإذا كان الله معك فمن عليك، وإذا كان الله عليك فمن معك ؟ وقد قال الله تعالى: أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون.
والحمد لله رب العالمين